ذاكرة الجسد لـ : أحلام مستغانمي

رائعة ، ساحرة ، مذهلة هي أحلام ..

فتحت بالصدفة روايتها “ذاكرة الجسد” فأصبت بالذهول لجمال أسلوبها وبراعتها اللغوية  وزخرفاتها الأدبية ..

خصوصا أني اعتدت على قراءة الروايات مترجمة ، أي أن أسلوبها عادة يكون أقل من عادي ..

سأترككم كما العادة مع اقتباسات من الرواية فمنها تستطيعون الحكم ، فأنا لا أجيد الوصف والتعبير عن الأشياء “الجميلة” !

====

اقتباسات

في الحروب ، ليس الذين يموتون هم التعساء دائما ، إن الأتعس هم أولئك الذين يتركونهم خلفهم ، ثكالى ، يتامى ومعطوبي أحلام.

أحسد المآذن وأحسد الأطفال الرضع ، لأنهم يملكون وحدهم حق الصراخ والقدرة عليه ، قبل أن تروض الحياة حبالهم الصوتية ، وتعلمهم الصمت

إن الابتسامات فواصل ونقاط انقطاع ، وقليل من الناس أولئك الذين ما زالوا يتقنون وضع الفواصل والنقط في كلامهم

إذا صادف الإنسان شيء جميل مفرط في الجمال رغب في البكاء

الدوار هو العشق، هو الوقوف على حافة السقوط الذي لا يقاوم، هو التفرج على العالم من نقطة شاهقة للخوف، هو شحنة من الإنفعالات والأحاسيس المتناقضة, التي تجذبك للأسفل والأعلى في وقت واحد، لأن السقوط دائما اسهل من الوقوف على قدمين خائفتينّ

كانت الأيام الفاصلة بين يوم الجمعة ويوم الاثنين تبدو طويلة وكأنها لا تنتهي . وكنت بدأت في العد العكسي منذ تلك اللحظة التي غادرت فيها القاعة ، رحت أعد الأيام الفاصلة بين يوم الجمعة والاثنين ، تارة أعدها فتبدو لي أربعة أيام ، ثم أعود وأختصر الجمعة الذي كان على وشك أن ينتهي ، والاثنين الذي سأراك فيه ، فتبدو لي المسافة أقصر وأبدو أقدر على التحمل ، إنهما يومان فقط السبت والأحد ، ثم أعود فأعد الليالي .. فتبدو لي ثلاث ليال كاملة هي الجمعة والسبت والأحد .

ترى أهكذا يبدأ الحب دائما ، عندما نبدأ في استبدال مقاييسنا الخاصة ، بالمقاييس المتفق عليها، وإذا بالزمن فترة من العمر ، لا علاقة لها بالوقت؟

أذكر تلك الزيارة بكل تفاصيلها وكأن ذاكرتي كانت تقرأ مسبقا ما سيكتب لي معك ، فأفرغت مساحة كافية لها

إن ما كتبه أراغون عن عيون “إلزا” هو أجمل من عيون “إلزا” التي ستشيخ وتذبل .. وما كتبه نزار قباني عن ضفائر “بلقيس” أجمل بالتأكيد من شعر غزير كان محكوما عليه أن يبيض ويتساقط .. وما رسمه ليونارد دافنتشي في ابتسامة واحدة للجوكاندا ، أخذ قيمته ليس في ابتسامة ساذجة للموناليزا ، وإنما في قدرة ذلك الفنان المذهلة على نقل أحاسيس متناقضة ، وابتسامة غامضة تجمع بين الحزن والفرح في آن واحد .. فمن هو المدين للآخر بالمجد إذن ؟

إن في روايات “أغاثا كريستي ” أكثر من 60 جريمة ، وفي روايات كاتبات أخريات أكثر من هذا العدد من القتلى . ولم يرفع أي مرة قارئ صوته ليحاكمهن على تلك الجرائم ، أو يطالب بسجنهن . ويكفي كاتبة أن تكتب قصة حب واحدة ، لتتجه كل أصابع الاتهام نحوها . وليجد أكثر من محقق جنائي أكثر من دليل على أنها قصتها . أعتقد أنه لا بد للنقاد من أن يحسموا يوما هذه القضية نهائيا ، فإما أن يعترفوا أن للمرأة خيالا يفوق خيال الرجال ، وإما أن يحاكمونا جميعا

دعني أتوهم أن تلك الشجرة ما زالت هناك .. وأنها تعطي تينا كل سنة ، وأن ذلك الشباك مازال يطل على أناس كنت أحبهم .. وذلك الزقاق الطويل مازال يؤدي إلى أماكن كنت أعرفها .. أتدري ، إن أصعب شيء على الإطلاق هو مواجهة الذاكرة بواقع مناقض لها

يومها اكتشفت البعد الآخر لليد الواحدة . فقدر صاحبها أن يكون معارضا ورافضا ، لأنه في جميع الحالات .. عاجز عن التصفيق

الرغبة محض قضية ذهنية . ممارسة خيالية لا أكثر . وهم نخلقه لحظة جنون نقع فيها عبيدا لشخص واحد ، ونحكم عليه بالروعة المطلقة لسبب غامض لا علاقة له بالمنطق

هناك جثث يجب أن لا نحتفظ بها في قلبنا . فللحب بعد الموت رائحة كريهة أيضا ، خاصة عندما يأخذ بعد الجريمة

ما أطول قائمة الأشياء العادية التي نتوقعها فوق العادة ، حتى تحدث . والتي نعتقد أنها لا تحدث سوى الآخرين ، وأن الحياة لسبب أو لآخر ستوفر علينا كثيرا منها ، حتى نجد أنفسنا يوما أمامها

إننا نكتب الروايات لنقتل الأبطال لا غير ، وننتهي من الأشخاص الذين أصبح وجودهم عبئا على حياتنا ، فكلما كتبنا عنهم فرغنا منهم وامتلأنا بهواء نظيف

الكاتب إنسان يعيش على حافة الحقيقة، ولكنه لا يحترفها بالضرورة. ذلك إختصاص المؤرخين لا غير…إنه في الحقيقة يحترف الحلم…أي يحترف نوعا من الكذب المهذب.
والروائي الناجح هو رجل يكذب بصدق مدهش, أو هو كاذب يقول أشياء حقيقية

في الحقيقة كل رواية ناجحة ، هي جريمة ما نرتكبها تجاه ذاكرة ما، وربما تجاه شخص ما، على مرأى من الجميع بكاتم صمت ، ووحده يدري أن تلك الكلمة الرصاصة كانت موجهة إليه

اقتباسات لاقتباسات ~

كونكور : لا شيء يسمع الحماقات الأكثر في العالم .. مثل لوحة في متحف !

برنارد شو : تعرف أنك عاشق حين تبدأ في التصرف ضد مصلحتك الشخصية

لا أذكر من قال : يقضي الإنسان سنواته الأولى في تعلم النطق ، وتقضي الأنظمة العربية بقية عمره في تعليمه الصمت

على غلاف الكتاب ، قال عنها نزار قباني :

قرأت رواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي ، وأنا جالس أمام بركة السباحة في فندق سامرلاند في بيروت .

بعد أن فرغت من قراءة الرواية ، خرجت لي أحلام من تحت الماء الأزرق كسمكة دولفين جميلة ، وشربت معي فنجان قهوة وجسدها يقطر ماء ..

روايتها دوختني ، وأنا نادرا ما أدوخ أمام رواية من الروايات وسبب الدوخة أن النص الذي قرأته يشبهني إلى درجة التطابق ، فهو مجنون ، ومتوتر ، واقتحامي ، ومتوحش ، وإنساني ، وشهواني .. وخارج على القانون مثلي . ولو أن أحدا طلب مني أن أوقع اسمي تحت هذه الرواية الاستثنائية المغتسلة بأمطار الشعر .. لما ترددت لحظة واحدة ..

هل كانت أحلام مستغانمي في روايتها تكتبني دون أن تدري .. لقد كانت مثلي تهجم على الورقة البيضاء بجمالية لا حد لها .. جنون لا حد له ..

الرواية قصيدة مكتوبة على كل البحور .. بحر الحب ، وبحر الجنس ، وبحر الإيديولوجية ، وبحر الثورة الجزائرية بمناضليها و مرتزقيها ، وأبطالها و قاتليها ، وملائكتها و شياطينها ، و أنبيائها و سارقيها ..

هذه الرواية لا تختصر ذاكرة الجسد فحسب ، ولكنها تختصر تاريخ الوجع الجزائري ، و الحزن الجزائري ، و الجاهلية الجزائرية التي آن لها أن تنتهي ..

وعندما قلت لصديق العمر سهيل إدريس رأيي في رواية أحلام ، قال لي : لا ترفع صوتك عاليا .. لأن أحلام  إذا سمعت كلامك الجميل عنها ، فسوف تجنّ ..

أجبته : دعها تجن ّ .. لأن الأعمال الإبداعية الكبرى لا يكتبها إلا مجانين !!

*هذه التدوينة هي مسودة عمرها شهرين ..

*التدوينة التالية : فوضى الحواس لـ نفس الكاتبة

14 تعليق

  1. واااو .. رائع .. بل مذهل !!!!!!

    أذهلتني هذه الاقتباسات بعمق معانيها وجمال أسلوبها الأخاذ .. وملأتني فضولاً لأقرأ الرواية ..

    شكراً لك ^_^

    1. العفو ^^
      شكرا على مرورك من هنا ..

  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،، ربما ذكرت بعض الإقتباسات اعلاه وفيها من الجمال ما فيها ، غير ان الروايات العربية تحوي على اكثر من ذلك بكثير ، ولكن للأسف القارئ العربي والشباب خصوصاً ، إذا ما سألتهم ماذا قرأتم ، لعدد لك التالي : فوضى الحواس ، ذاكرة الجسد ، بنات الرياض ، وبالبطبع كلها ذات طابع جنسي جنسي جنسي ، غير ابداعي ، و يدعي البعض انما هذه الروايات هي السيرة الذاتية لكاتبتها .

    لذا ارجوك لا تكبر في رأس مثل هؤلاء الكتاب ولا تنفخ فيهم حتى يعتقدون بأنهم فعلا مبدعين وهم في الأصل ناشرون للرذيلة اكثر من نشرهم للأدب ، وربما وجدت في مقالة من صفحتين لعائض القرني من المعاني ومن المقاصد ومن الإبداع و جزالة في الإلفاظ والتعبير عن الأحاسيس اكثر مما تجد في رواية كاملة لأحلام .

    والسلام عليكم

    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
      لا أنفي أن للرواية سلبياتها ..
      لكن الله وهب لنا عقلا نستطيع به التمييز بين الجيد والسيء ،
      لذلك سيكون جميلا لو أخذنا من كل شيء قرأناه الايجابيات وتركنا السلبيات جانبا ..
      ستلاحظ بالتأكيد أنني في هذه التدوينة لم أمدح فكرة الرواية لأنها بالنسبة لي عادية بل مدحت الأسلوب..
      وهو برأيي أكثر من رائع ، ويكفي سببا روعته لأن أقرأ لأحلام روايات أخرى
      والسلام عليكم ^^

    2. مسلمة عربية سورية | رد

      لذا ارجوك لا تكبر في رأس مثل هؤلاء الكتاب ولا تنفخ فيهم حتى يعتقدون بأنهم فعلا مبدعين وهم في الأصل ناشرون للرذيلة اكثر من نشرهم للأدب ، وربما وجدت في مقالة من صفحتين لعائض القرني من المعاني ومن المقاصد ومن الإبداع و جزالة في الإلفاظ والتعبير عن الأحاسيس اكثر مما تجد في رواية كاملة لأحلام .
      !!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
      احلام وغيرها ياسيدي المثقف الكبير جدا ليسوا ناشرين للرذيلة ونحن اذ نعجب بأسلوبهم لا أكبر في رؤوسهم لأنها أصلا كبيرة راقية على الأقل استطاعوا أن يعيدوا جيلاً كاملاً للقراءة بعد هجرها لزمن طويل.. هم مبدعين لانهم استطاعوا ان يعبروا عن انفسهم وعنا وعن همومنا ومانعانيه من المتشددين امثالك دون حاجة إلى ألفاظ جذلة غريبة نعم عربية لكنها بعيدة عنا
      أخيراً أقول أن أحلام مستغانمي أكيد أنها لا تخاطب أمثالك ولا يهمهما قطعاً أن تكون أحد قارئيها…. حتماً

  3. نفثت الملائكة في حرف المرتسم بأنامل أحلام ملكة إبداعية ، ملكة رومانسية تبعث في نفس قارئها لوعة لولوج شواطئ التمرد و الحب ..
    جميلة هي حروف أحلام … و الأجمل أن يكون ورائها قراء يعجبون بالحرف المتمرد و الكلمة الجميلة …

    1. الأجمل ردك الراقي ^^
      شكرا على مرورك

  4. إنتهيت من قراءتها ليلة الأمس ..
    لا أستطيع ان أوفي أحلام حقها من الكلام ..
    اكثر من رائْعة .. وراقت لي اقتباساتك كثيرا
    ننتظر فوضى الحواس منك ِ

  5. سارة..
    شكرا لك ^^

  6. انين الوطن ~ | رد

    بالنسبه لي وجدتها رواية جميله .. وليست ذات طابع جنسي كما قال البعض .. هذه الرواية تحمل الكثير من المعاني الجميله 🙂

  7. […] وليست أية عربية ! تحدثت عن كتابين لها في تدوينات سابقة : ذاكرة الجسد و فوضى […]

  8. انا لم اقرأ يوما الروايات واول رواية قرأتها هي ذاكرة الجسد للكاتبة احلام مستغانمي فقررت ان لا أقرا أي رواية مهما كانت حتى تصير ذاكرتي وجسدي دوما صلابة وحنانة ونضالا وشجاعة ادبية

  9. انا بحب رويات احلام عن جد مبدعه و تعرف ما فب دتخل الانسان و شكرا كتير

  10. كـان يآمكان | رد

    رائعه انتي اسيرة كلمات من راويه الخيميائي قد قرآتها ولكني اجد لها روحُ هاهنا لانها بلفعل تحتاج الى سنين من القراءة ودهور من الانصاف وماكتب عن احلام مستغانمي ايضا اختيار موفق لأيسعني الا شكرك فيصل <

اترك رداً على vamprita إلغاء الرد